تشعر "أم حسام" بأنها تعيش وحيدة في البيت، إذ يقضي أفراد عائلتها غالبية أوقاتهم على الهواتف والتطبيقات الذكية والألعاب الإلكترونية.
وتقر "أم حسام" -وهي أم لأربعة أبناء- بأن أولياء الأمور أيضًا باتوا منشغلين عن أبنائهم لاهتمامهم المتزايد بمتابعة هواتفهم الذكية.
وترى في رمضان فرصة لاجتماع العائلة على مائدة واحدة يوميًا بخلاف غيره من الشهور، إذ يجتمعون على مائدة الغداء يوم الجمعة، أما في باقي الأيام فلكل ظروفه، مشيرة إلى أنهم يعزفون عن المشاركة في الزيارات العائلية أو النشاطات الاجتماعية.
تقول مستدركة: "حتى ولو اجتمعوا يجلس كل واحد منهم منعزلًا مع نفسه وهاتفه، وها قد جاء رمضان ليعيد ترتيب حياتنا من جديد وتوطيد العلاقة التي باتت شبه مفككة، ونأمل مع نهاية الشهر الفضيل أن تتمكن من تخفيف إدمانهم من الهواتف الذكية".
من جهتها تعتقد الاختصاصية النفسية د. فاطمة حلس بضرورة استثمار شهر رمضان للتخلص من العادات السيئة، ومن بينها الإدمان على الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي التي باتت واحدة من المظاهر المستفحلة في السنوات الماضية.
أسباب إدمان الهواتف
وتُرجع الإدمان على الهواتف الذكية لانتشارها الكبير حتى باتت في متناول الصغير قبل الكبير لاستخدامات وغايات متنوعة سواء للكبار والصغار، ولا يمكن الاستغناء عنها، ولذلك اعتبر المختصون الجلوس أمام شاشات الهواتف الذكية بإفراط نوعًا من الإدمان.
وتقول حلس: "ومن أسباب الإدمان أن الجلوس على الهواتف الذكية يعطي شعور السعادة لدى البعض فيزيد إفراز هرمون الدوبامين، فيرتبط المستخدم بجهازه الذي يعده مصدرًا لجلب السعادة بدلًا من الاحتكاك بالمحيط الاجتماعي من حوله".
وتلفت إلى تعامل البعض مع تلك الأجهزة كمصدر للمتعة والتسلية عبر التطبيقات المتعددة والمتنوعة والمصممة بطريقة تدفع للتجربة وقضاء وقت طويل عليها كالألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل وسهولة استخدام الهواتف.
وتشير إلى ارتفاع مؤشرات إدمان الأجهزة الذكية في فترة المراهقة، وأن افتقار البعض للقدرة على التحكم بالدوافع والرغبات يزيد من إدمان الهاتف خاصة بين ضعاف الشخصية، فيجدون في الإنترنت ملجأً لرغبتهم الشديدة بالانفتاح على الآخرين، إلى جانب الاضطرابات في العلاقة الأسرية، وضعف في التواصل والانطواء على الذات، والسرية التي يوفرها الإنترنت.
كما توفر الهواتف شعور لطيف بالسيطرة والحرية في التعبير عن المشاعر، وأحيانًا للهروب من واقع الحياة والتفريغ من الضغوطات التي يعانيها، وبذلك يحدث الإدمان.
أعراض الإدمان الإلكتروني
وثمة أعراض للأشخاص المدمنين على هواتفهم الذكية، كالحرص الشديد على تفقد الهاتف والإشعارات، وشعور المستخدم بالسعادة طالما هاتفه موجود بين يده، حتى أنه يرافقه أحيانًا عند ذهابه إلى دورة المياه، والعزلة الاجتماعية، عدا عن الأوجاع والآلام الصحية، وفق حلس.
ولعلاج هذا النوع من الإدمان تستدل الاختصاصية الاجتماعية بقول مهندس الأنظمة المعلوماتية عبدالرحمن الشهري: بأن "الكثير من الناس أصبح لديهم إدمان فعلي على التقنيات الإلكترونية، فنجد الأعراض التي تظهر عليهم أصبحت شبيهة بالأعراض التي تظهر على مدمني المخدرات أو المشروبات الكحولية، فعندما ينقطع الإنترنت يصبح الشخص متوترًا ويشعر أن هناك شيئًا ينقصه ولا يستطيع الاستغناء عن الجوال ولذلك علينا أن نجرب طريقة الصوم الإلكتروني".
وتوضح أن شهر رمضان الذي ينتظره الجميع يجب أن يستثمره البعض في التدريب على الصوم الإلكتروني لإفطام النفس عن هذا التعلق الكبير تدريجيًّا ويهيأ للابتعاد عنه، وتجهيز النفس إيمانيًّا وتعبديًّا، ووضع خطة لذلك من شأنها تخفف من الجلوس على الهواتف الذكية واستثمار الوقت بقراءة القآان وصلة الرحم والاستغفار.
وتعتقد حلس أن تنظيم استخدام الهاتف في رمضان قد يمكّن المدمنين الإلكترونيين من التخلص من عادات الاستخدام السيئة للأجهزة الذكية، كحذف الألعاب والتطبيقات التي تسرق وقت الصائم وصيامه أيضًا، والدفع بأوليات أخرى كتلاوة القرآن، أو قراءة أي كتاب، وتقييد الشخص نفسه بأوقات معينة لاستخدام الهاتف والإنترنت.
وتنصح كذلك بالامتناع عن دخول المواقع الإلكترونية التي تستنزف الوقت والجهد والطاقة، وممارسة نشاطات أخرى إيجابية كممارسة الرياضة، والتواصل الاجتماعي وجهًا لوجه والاندماج في نشاطات جماعية.